نوشته شده توسط : علی صیفوری

المرأة في الأهواز؛ هوية وقضية

غياب المرأة من المضيف علي حد ذاته لا يعني ضعف المرأة أم عجزها وذلک لان المضيف بنفسه مکان غير ديمقراطي ويعاني من عدة إشکاليات. ولهذا المطلوب ليس بالضروة يکون دخول المراة إلي المضيف أم بناء نظیره النسائي،
 
 

دلال الکعبي

تمهيد
نظراً لکون وضع المرأة في المجتمع يکون محصلة تفاعل مختلف العوامل الاجتماعية والثقافية والقانونية والسياسية، فتغدو دراسة هذه العوامل وعلاقتها بالمرأة، حاجة ضرورية بغية الوقوف على واقع المرأة ومن ثم الخوض في ثنايا العلاج.
وعلي هذا الأساس ستتطرق هذه الدراسة إلي المحاور التالية:
ألف: صورة المرأة في المجتمع الأهوازي
ب: واقع المرأة الثقافي والإجتماعي
ج: المرأة والنشاط الإجتماعي والسياسي
د: مستقبل قضية المرأة في الأهواز

صورة المرأة في المجتمع الأهوازي
تتأثر صورة المرأة ومکانتها في أي مجتمع من المنظومة الاجتماعية والعرفية والقانونية التي تحکم المجتمع وهذه التأثيرات تبرز نفسها شکليا ومحتويا علي ارض الواقع. فصورة المرأة لدي المجتمع ومکانة المرأة فيه تعبر الکثير عن معتقدات وسمات المجتمع الذي أنتجها ويعيد إنتاجها.

وعلي مر الزمن تم استخدام رموز وسمات مختلفة لتبيان مکانة المرأة في المجتمع ورؤيته عنها، ايجابية کانت أم سلبية. فبينما في بعض الأزمنة وعلي وجه التحديد الحضارات الاولي، قام البشر بتأليه المرأة وبناء المعابد لتلک الألهة ومربمرحلة عبادة الانثي ايمانا منه بمکانة المرأة العليا، في المقابل هناک حالات وأزمنة، ومنها بعض ثقافات هذا العصر والماضي القريب، حيث تجردت المرأة فيها من هويتها إلانسانية المستقلة وأصبحت مجرد جسد او تمثال للتعبير عن قدسية بعض المفاهيم.
ولعل أفصل الصور التاريخية للمرأة علي هذه الأرض، تعود الي زمن العيلامين. حيث کانت المرأة العيلامية تتمتع بکثير من الحقوق والحريات. فالتاريخ العيلامي يکشف عن العديد من الآلهة الأنثي ومعابدهن لطول فترة حکم العيلاميين کإلهة النصر و إلهة السماء ...الخ. فأکبرالألهة شأنا ونفوذا وام کل الآلهة، ذکور واناث، کانت انثي وهي ، بني کر( Pinenkir)1، و کانت تعبد من قبل جميع ملوک عيلام.
فهذا الامر وکل الأسناد المتبقية في هذا الشأن، تدل علي صورة المرأة الإيجابية في تلک العصر بحيث هناک حضور واثرضخم للمرأة في هذه الوثائق وانها لم تکن غائبة من التاريخ أو مهمشة فيه.
وأما في ما يخص صورة المرأة الأهوازية في العصر الراهن، فانه من غير الممکن الحديث عن صورة واحدة وواقع مماثل لکل نساء الأهواز. فلقد تتحول مکانة المرأة وحياتها الاجتماعية بتغيير النمط المعيشي والوضع الاقتصادي والتعليم وباقي العوامل المؤثرة. ونظرا لهذه الاعتبارات وعلي رأسها النمط المعيشي يمکن الحديث عن صورتين للمرأة الأهوازية بشکل عام: المرأة الريفية والمرأة الحضرية.
فالواقع اليومي للمرأة الريفية الأهوازية وقضاياها ومشکلاتها يختلف کثيرا عن واقع المرأة الحضرية ولا يمکن وضعهما في طبقة واحدة. وإن نفس الثقافة والأعراف الاجتماعية تحکم کلي البيئتين إلا إن طريقة تعامل هذه الأعراف مع المرأة وانتظارات المجتمع من المرأة في ألبيئتي الريفية والحضرية تختلف کليا. ولئن في المجتمع الاهوازي، الأرياف تکون هي المصدر لکثير من تقاليد وأعراف المجتمع، فسيکون من الضروري معرفة صورة المرأة في القرى الأهوازية اولا.
لقد يتسم المجتمع الريفي الاهوازي بصفتين، وهما الزراعة والنسيج الاجتماعي القبلي. وحياة المرأة في هذه البيئة تکون علي الأرجح هي العمالة ومسئوليات مستمرة ولهذا، الصورة الغالبة للمرأة تکون صورة المرأة الکادحة والعاملة والمکافحة وذلک بسبب مستلزمات العمل الزراعي في القري، بحيث يتطلب مشارکة جميع افراد الأسرة، وکذلک مفهوم المرأة في النظام القبلي اذ يوثر هذا الاخير في شکل حضور المرأة في العمل و کذلک ادوارها وحقوقها.
وتعتبر الزراعة من أهم مصادر الرزق وموارد دخل الأسرة الريفية. والمرأة تشارک جنبا إلى جنب مع الرجل في توفير هذه المادة وإدخالها في حلقة الإنتاج. فتساهم المرأة بشکل مباشر و فعال في اغلبية مراحل العمل الزراعي، ابتداء" من اعداد الارض وزراعة البذور، مرورا بتنقية الحشائش والتصفية والتذرية وانتهاء" بالحصاد إذا کان يدويا وجمع المحاصيل. وفي بعض الحالات مثل المحاصيل الصيفية ( کمزارع لوبيا و ...) المرأة وحدها تتکفل غالبية مراحل العمل الزراعي. وتمضي ساعات عدة في اليوم وهي تعمل تحت حرارة الشمس المرتفعة في المزارع و البساتين، والأسرة باکملها تعول کثيرا علي عمل المرأة الزراعي.
فقوة المرأة الريفية وبنيتها الجسدية في العمل لا تنقص عن الرجل، وربما أکثر استفامة احيانا، بحيث بعد إنهاء فترة العمل في الحقول، تهتم المرأة في مهام الأمور المنزلية مثل مهام الغسيل والطبخ وکذلک رعي الماشية، والحلب والإحتطاب وتنظيف محل الحيوانات وايضا حش الأعلاف وحملها علي الرأس من المزارع إلي البيت! وهذه الاعمال کلها تحتاج الي قوة عضلانية وکذلک قوة تحمل و عطاء.
فتستيقظ المرأة الريفية مبکرا قبل باقي أفراد الأسرة لکي تحضر متطلبات الزوج والاولاد وترعي الماشية ومن بعدها تبدء عملها الشاق في الحقول الزراعية. والمرأة الريفية تؤدي کل هذه المهام برغبة وحرصا منها علي ازدياد موارد الدخل الأسري وبناء حياة کريمة لافراد أسرتها. و يعود السبب في ذلک الي خوف المرأة الموروثي وحرصها علي حياة أطفالها ومستقبلهم.
ان الأجيال السابقة من النساء الاهوازيات، لحد أواسط القرن المنصرم، کانت تجول الإقليم بحثا عن حياة کريمة لأسرتها مشيا" على الأقدام من أقصي المدن في شمال الأهواز الى الجنوب و العراق لتجارة التمر والقمح وباقي الموارد المتوفرة للإنتاج آنذاک. فبسب الظروف المعيشية الصعبة التي کانت مخيمة علي تلک الأجيال، کانت العائلة تخسر ما يقارب نصف أطفالها بسبب المجاعة ولهذا کانت المرأة أکثر من الرجل أحيانا حريصة علي توفير المواد ألغذائية للعائلة والتضحية في هذا المجال!
والنقطة البارزة حول شخصية المرأة الريفية الکادحة هي شجاعتها. فالي جانب قدرتها الجسدية التي في کثير من الأحيان تعادل قوة الرجل وإن لا يتم إظهارها وحتي استخدامها إلا في العمل إلا إن ارتباط المرأة المباشر مع الطبيعة والحيوانات والبحر والزور والفجر ، صنع من نساء هذه المناطق نساء جريئات وجسورات وقويات وشجاعات في المواجهة والتأقلم مع الطبيعة و الخوض في المغامرات. عکس ما يحدث في المدن، بحيث في المدن يقف الرجل کحائل والوسيط ( بشکل السلبي و الايجابي، الممانعة ام الحماية) بين المرأة والطبيعة .
وحتي في موضوع علاقات الأفراد الأمر کذلک. فالمرأة الريفية تتعرض لعلاقات وتعاملات اکثر انفتاحا مقارنة مع المرأة الحضرية وذلک بسبب النمط المعيشي المختلف والفضاء الواسع في الريف. ولهذه العلاقات القريبة والمفتوحة سلبياتها وايجابياتها. بحيث هذه العلاقات تقضي احيانا على الحريم الشخصي وحتي الحريم الأسري وتحول البيت الى احدي محطات العائله الکبري او القبيلة، وهذا ما يسبب تردد منفتح بين العوائل خاصة الرجال. الوضع الذي يستهلک المرأة و يرهقها نفسيا و جسديا و ذلک لان المرأة تقدم الکثير لهذه العائلة الکبري دون ان تحصل علي شيئا في المقابل وانما بالعکس فاحيانا تتعرض للتعنيف،النفسي علي الارجح، والتدخل في حياتها علي يد افراد العائلة الکبري.
فبينما المطلوب من المرأة ان تستضيف وتکرم هؤلاء الرجال و تقدم وسائل الراحة مثل المکان النظيف والشای والماي و الفاکهة و الششيشة بوجه مبتسم الى الضيوف، في المقابل هم ليسوا قريبين من المرأة ولا يتم السماح لها للتواجد في هذه الاجواء اللطيفة التي المرأة بنفسها تعدها وإنما المرأة تصبح مجرد يد عاملة على الهامش وخلف الجدران منتظرة أوامر سيدها الرجل دون الامکانية لاستخدام وسائل الرفاهية مثل التلفاز و ...الخ ودون الحرية علي ترتيب جلسات نسائیة وزيارات ترفيهية مثل ما هو الحال عند الرجال لأنها المسئولة عن تهئية مستلزمات الضيافة الرجالية.
فهنا المرأة تعيش تحت نظامين أبوين في نفس الوقت ونفس المکان، النظام الأبوي العام (أم القبلي هنا) و النظام الأبوي الأسري. والعقلية الأبوية هذه لا تختصر علي أعمال المرأة المنزلية فحسب وانما کما أسلفنا تشمل عملها الإقتصادي ايضا.
وعلاقات مختلفة تربط عمل المرأة الريفية والنظام الابوي ومن بينها، اولا استغلال المرأة اقتصاديا و مصادرة إنتاجها وثانيا الرقابة علي عمل المرأة الزراعي وتحديد وحصر ظروف عملها و دائرة فعاليتها. فتحت مظلة النظام الأبوي يتم تحجيم مساهمة المرأة الريفية ويتم مصادرة ثمار تعبها في الحقول الزراعية وکذلک تربية المواشي لصالح الجنس ألذکوري.
فنسبة عالية من النساء في الريف تشتکي من الاستغلال الاقتصادي وتعتقد إنها لا تنال من الإنتاج حصتها المطلوبة مقارنة مع جهدها. فبينما تستثمر الرجال انتاجهم الزراعي في امور تزيدهم شانا و مکانة في المجتمع مثل امتلاک سيارة ام توسيع الأراضي و ...الخ في المقابل غالبا ما حصة المرأة من هذه المشارکة لا تتجاوز قطعة قماش أم خاتم ذهب.
واستغلال المرأة لا يقتصر علي مصادرة حق المرأة من الانتاج الزراعي وتملک الاراضي والحيوانات فحسب و إنما يشمل احيانا حرمان المرأة من حقوقها البديهية مثل امر التعليم ام السفر الي المدينة ام زيارة الأهل، من اجل ابقائها عاملة في البيت والحقول .
والنقطة الاخري حول هذه العلاقة، هي الدور الممانع الذي يقوم به النظام الأبوي في وجه حرية المرأة في العمل الزراعي . فبينما لدي البعض من الفتيات الشابات وکذلک النساء توجد رغبة کبيرة لتوسيع دايرة العمل الزراعي وجمع الأموال لکن هذه الرغبات غالبا ما تصطدم مع الممانعة الأبوية التي غير قادرة علي إعطاء المرأة مساحة اکبر للحضور. فرغم ان النظام الأبوي يقوم باستغلال المرأة في العمل الزراعي وانها مثل الرجل تکدح في الحقول الزراعية إلا أنها ليست حرة في اختيار نوعية عملها بل يجب عليها العمل في اطار اسس معينة.
على سبيل المثال المرأة ارملة، وهي المسئولة عن الأسرة والاراضي الزراعية، لا يمکنها،غالبا، الفلاحة بحرية و کمالکة الحقول على ارض الواقع وإنما ترغم للشراکة مع احد اقربائها الذکور، تجنبا للأرتباطات و الأتصالات الغير المقبولة في تلک البيئة الأجتماعية ولهذا ورغم حاجتها المعيشية لفلاحة کل اراضيها ترضي بالشراکة التحميلية وتقتنع بنصف الحصة ام الأقل من ثمار اراضيها.
وبسبب هذه المضايقات والرقابة المستمرة وکذلک من اجل حياة أفضل وإمکانيات أکثر تميل کثير من النساء الريفيات إلي الهجرة إلي المدن بحثا" عن حياة أکثر خصوصية وراحة مما عليه في الريف وکذلک هروبا من الاستغلال الاقتصادي الکبير في الأرياف.
وبغض النظر عن بعض النتائج السلبية للهجرة علي الترکيب السکاني والاجتماعي والثقافي في الأرياف و المدن ومن أهمها موضوع ترييف المدن وتردي وضع الأقتصادي لبعض الأسر المهاجرة، إلا إنها لعبت دور ايجابي جدا في ارتفاع المستوي التعليمي للمرأة. وذلک بسبب إمکانيات التعليمية المتوفرة وکذلک أهمية تعليم الإناث في المدينة، اذ هذا الموضوع ليس ثانويا وفرعيا کما هو الحال في الريف. فنسبة عالية من الأسر الريفية تعتقد إن تعليم الذکور يکون أکثر أهمية من تعليم البنات وذلک بسبب ادوارالرجل الريسئة في تلک البيئة. لکن في المدن الأمر افضل بکثير، فلإمکانيات المتوفرة والأجواء الملائمة نسبيا، تحث الأسرة علي الدفع ببناتها للتعليم والتقدم الدراسي. وبالتاکيد کلما زاد المستوي التعليمي للمرأة لتضاعفت قدراتها علي نيل حقوقها وحرياتها وبناء شخصيتها و بالتالي المساهمة الفعاله فی تقدم المجتمع .
والحال ان مستوي تعليم المرأة في المجتمع الأهوازي ليس بالمستوي المطلوب وخاصة في الريف. وهناک عدة أسباب تکمن وراء انخفاض مستوي تعليم البنات في الريف. ومن ابرز هذه العوامل يمکن الأشارة الي المواد التالية: التدريس باللغة غير العربية و عدم فهم اللغة الفارسية ، عدم وجود مدارس ومؤسسات تعليمية في المقطع المتوسطة في اغلب قري الأهواز،الأوضاع المعيشية الرديئة في کثير من الأسر في القري الأهوازية التي تجعلهم غيرقادرين علي توفير متطلبات الطالبة خاصة في بداية العام الدراسي، المستوي الدوني من الوعي حول أهمية تعليم الفتيات و أخيرا الأعراف الاجتماعية التي يکون لها دور المساعد في ازدياد نسبة الأمية والتسرب الدراسي.
وفي ما يخص مستوي التعليم لدي المرأة العربية الأهوازية فبالرغم من غياب احصائية رسمية شفافة في هذا المجال، وذلک لعدم الاعتراف الحقيقي بالمسألة القومية، إلا إن احدي الإحصائيات2 غير الرسمية المنتسبة لاحد النواب في مجلس الشوري، والمنتشرة لعام 2005، أظهرت إن متوسط الامية للنساء العربيات الاهوازيات، بعمر 35 ومافوق تکون 90% والنسبة تکون 65% للنساء بعمر أقل من 35 سنة. رغم إن هذه الأرقام عالية وخطيرة جدا إلا إنها تراجعت کثيرا في الاعوام الاخيرة ولقد تحسنت الاوضاع بشکل ملفت.
وحسب تقرير مرکز احصائيات ايران3 فان نسبة الامية للنساء في الاهواز، العربيات و غيرالعربيات، بعمر60 ومافوق يکون 20% لعام 2006. ولقد ادعي احد مسئولي محو الأمية ونائب دايرة التعليم في الاهواز عن نسبة تقل عن 10% في الأمية للفئة العمرية مابين 10-49 للنساء و الرجال معا لعام 2012 وذلک بسب دوائر محو الأمية 4. و إن طبعا الأحصايئة الأخيرة تکون مبالغة نوعا ما وذلک بسبب المعائير غير الدقيقة، اذ کل من يسجل اسمه في صفوف محو الامية يعتبر غير أمي، رغم هذا يجب الأذعان إن الظروف التعليمية وبالتالي نسبة تعليم البنات والتحاقهن بالمعاهد التعليم العالي وکذلک الجامعات في ازدياد متواصل، خاصة في المدن. وبالتأکيد سيؤثر هذا الأمر ايجابيا علي شتي مجالات الحياة، بيد إنه لا يعني بالضرورة نيل المرأة حقوقها وحرياتها وانما يفتح امامها أشکال جديدة من العلاقات الأجتماعية.

واقع المرأة الأجتماعي والثقافي:

إن مکانة المرأة في المجتمع ومسالة حقوقها وحرياتها تتأثر بشکل مباشر من المنظومة الإجتماعية لأي مجتمع وکذلک قوانينه المفعلة بشأن المرأة. وذلک لأن اولا النظام الاجتماعي هو العامل الرئیسي في تقييم و تسهيم دور الافراد في المجتمع، ومن جهة ثانية الظرف القانوني هو الذي يحدد حقوق الفرد بشکل عام وسبل حماية هذه الحقوق.
والحال ان منذ عصورا والبنية الأبوية اصبحت هي القاعدة الغالبة لشتي الأنظمة الاجتماعية والثقافية والدستورية في المجتمع بحيث يتم التعاطي مع کل قضايا الفرد وحقوقه وحرياته من منطلق أبوي وذکوري عام .
وفي ما يخص طبيعة النظام الأبوي تعتقد غيردا لرنر،Gerda Lerner،إن النظام الأبوي قائم علي تبعية المرأة للرجل. وتقول "وتتميز التبعية عن القمع في عدة قضايا من ضمنها في العلاقة التبعية لا توجد بالضرورة نوايا شريرة وقمعية لدي المهيمن وإنما يحتمل علي وجود توافق بين الجهتين، وهو القبول الطوعي للتبعية مقابل الحماية والمزايا ألأخرى"5.
ورغم تحفظنا علي مصطلح وجود نوايا شريرة، إلا إن هذا الکلام ينطبق علي وضع المرأة الأهوازية الراهن فما تبحث عنه العقلية الأبوية، يکون في الواقع تابعية المرأة للرجل وقبولها بالمکانة السلطوية و الأفضلية للرجل وليس بالضرورة قمعها.
فلبني الإجتماعية الموجودة في الريف والمدن،وبشکل عام، تکون مع مشارکة المرأة الاقتصادية وعملها في الحقول الزراعية في الصيف والشتاء، مع تعليم المرأة وتطورها المعرفي في الجامعات والمعاهد، مع خروجها للعمل، بيد هناک لا سلطة للمرأة علي نتاجها الزراعي ولا هوية مستقلة للمرأة عن الرجل ولا حرية للمرأة للتصرف باموالها کما تشاء او أن تعيش حياتها کما تعتقد و انما النظام الابوي المتسلط علي الخطاب العام و المتسلح بالعنف و المستند علي الدين والاعراف و حتي الاعلام والقضاة...الخ يفرض علي المرأة بشتي الطرق الحديثة و القديمة القبول بالمکانة السلطوية والمحورية للرجل وعدم الزحف نحو المحور والمرکزية أم الاستقلال عن الرجل.
فان النظام الابوي يستضعف المرأة نفسيا ويکسر مقاومتها وميلها نحو الخروج من الهامش ويخدعها حول کثير من الأمور ويرغبها أخيرا بالقبول لمکانة الرجل السلطوية وحمايته لها حتي اذا کانت المرأة متمکنة علي کل اموراتها و ليست بحاجة لمن يحميها، بل لمن يشارکها الحياة.
وفي الواقع تعيد الأبوية إنتاج نفسها من خلال دشن رغبة مرغمة للمرأة في القبول الطوعي بالأبوية. فتختار المرأة ألسيئ تجنبا من الأسوأ.
اليوم، المرأة الأهوازية غالبا ما تعي حقوقها واختياراتها الإنسانية وکذلک تعلم جيدا المکانة الحقيقية ولا السلطوية للرجل و تعرف قيمة نفسها لکن بسبب ضعفها وضغوطات المجتمع والاخرين من حولها، تخصع في اغلب الاحيان لهذه المضايقات و تقبل بهذه العلاقة الغير متکافئة واللاانسانية. فنماذج مثل إهتمام المفرط ،احيانا، للشابات بموضوع الزواج، الإستمرار في الحياة الزوجية رغم انتهاک کل حقوق المرأة وتلقيها العنف و الاهانة علي يد زوجها، وحتی اقارب الزوج، تأتي في هذا السياق.
فرغبة المرأة المستضعفة في تکوين العلاقات التبعية والأستمرارية فيها لم تأت اثر حريتها في الاختيار بين الحرية و الأبوية أم الأبوية و الأمومية، طبعا الأمومية مرفوضة کالأبوية، وإنما الإختيار بين أبوية و أبوية.
والفکر الأبوي في الأهواز وبمجمل اشکاله و مؤسساته، يتعامل مع المرأة علي هذه الأصول و الأجندة الثلاثة و هي: تحجيم دور المرأة و تهميشها، الإنتقاص من حرياتها وحقوقها، واخيرا تعنيفها.
ومن ابرز تلک البني التي تعيق وتعرقل حرکة المرأة الأهوازية نحو الحياة الکريمة والحرية والتقدم والأبداع يمکن الإشارة الي هذه الموارد وهي: العقلية القبلية، الأسرة الأبوية، القوانين ألذکورية، الذکورية الدينية وأخيرا الظرف السياسي والرؤي الأمنية.


و من بين هذه الموارد لعل الاسرة تلعب الدور الرئيسي في حرمان المرأة من کثير من حرياتها وحقوقها وذلک لأن الأسرة هي التي تربي الفرد و تنتقل له قيم القبيلة والمجتمع والدين و هي التي تتفذ قوانين باقي المؤسسات بحق المرأة و تفرض عليها الخضوع لتلک الأعراف و القوانين. فلأسرة الابوية تکون الجزء المکون6 للنظام الأبوي العام.
والحال هو إن هذه المؤسسات، متفهمة جدا لبعضها البعض في مجال موضوع المرأة وقلما أي جهة تقوم بنصرة المرأة علي حساب الجهة الأبوية الأخري وذلک لأن هذه البني قائمة علي اسس فکرية و آليات متشابهة وقريبة من البعض، وحتي إنها تستند الي نفس الخطاب والقاموس لتکريس سلطتها في المجتمع. وحصيلة هذا التفاهم و التقارب والتعايش يکون مزيدا من الحرمان و الاضطهاد بحق المرأة.
فالجدول أدناه يعرض بعض مظاهر إضطهاد المرأة في المجتمع الأهوازي.


النظام القبلي:

بدءا من القبيلة فيجب الإذعان بما إن النظام الاجتماعي السائد في الأهواز يکون النظام القبلي، فکثير من اعراف وقيم وتقاليد المجتمع بسلبياتها وايجابياتها وکذلک مفهوم المرأة والرجل والعلاقات الأجتماعية بين الأفراد، تتخذ مشروعيتها ومرجعيتها ومعانيها اساسا من الرؤي القبلية.
ولئن هذا النظام يکون نظام تقليدي أبوي وقائم علي سلطة الشيخ، ولا توجد هناک معني حقيقي لکلمة الشيخة،کمقابل لکلمة الشيخ، ولا يجوز للمرأة ان تصبح سيدة قومها، لهذا فکثير من العادات والأعراف القبلية قائمة بشکل مباشر علي تهميش المرأة وإقصائها وذلک لأن المرأة لا يمکن أن تصل الي أعلي المستويات في القبيلة او أن تحکم قبيلتها.
فإما کان الرجل في مرتبة الخطيب والشيخ في المضائف وإما کان مجرد مستمع لحديث وعاظ القبلية، فانه يشعر بالأفضلية عن المرأة بسبب دوره فی الهرم القبلی. وهذا التفاخر يکشف نفسه جليا في القاموس اللغوي لکثير من الرجال والشباب، بحيث في نقاشاتهم مع المرأة وحتي مع البعض يستندون الي تجالسهم مع الشيوخ و الرجال والسادة بالأمر المهم ويتفاخرون به ومن ثم يحکمون علي المرأة بالتهميش والدونية والخضوع لحکم الرجل بسبب عدم قدرتها علي التواجد في تلک الجلسات.
وطبعا غياب المرأة من المضيف علي حد ذاته لا يعني ضعف المرأة أم عجزها وذلک لان المضيف بنفسه مکان غير ديمقراطي ويعاني من عدة إشکاليات. ولهذا المطلوب ليس بالضروة يکون دخول المراة إلي المضيف أم بناء نظیره النسائي، وهذا الأخير غير ممکن الا إذا کان بشکل حديث او مابين NGO و المضیف، وإنما تحجيم دور المضيف والتقليص من أهميته في الحياة الأجتماعية. فعلي طول الزمن کان المضيف هو الموعد والمرکز لشتي انواع الظلم والقهر والإحتقار ضد المرأة.

الأسرة الأبوية:
اقتباسا من النظام القبلي السائد في المجتمع، تعتمد العائلة الأهوازية بشکل عام، علي نفس القواعد والمفاهيم والقيم في ترتيب علاقاتها الأسرية. فأب الأسرة يحاول أن يمارس نفس ادوار الشيخ وسلطته في البيت والأخ بدوره يقوم بدور الأب في العائلة. وفي ظل هذه السلطات المتنازعة تتجرد المرأة من هويتها الانسانية المستقلة وتخسربالطبع أبسط حقوقها وحرياتها الشخصية.

فالعقلية الأبوية، تقتل وتضحي بإنسانية المرأة وتحولها الي جسد انثوي وبالتالي تمثال للشرف لکي من خلاله تثبت نفسها وهيبتها المزيفة للاخرين. الهيبة التي من المستحيل تکريسها طالما مرتبطة بعوامل خارجية.
ولعل ازدواجية الموقف تجاه قضايا المرأة وحرياتها بين الأسر المختلفة من القبيلة، تبين جليا اشکاليات الرؤية القبلية تجاه المرأة. فعلي سبيل المثال ولا الحصر بينما الأسر الفقيرة اجتماعيا واقتصاديا من المجتمع تکون اکثر حرصا علي ابقاء المرأة مقيدة للاعراف الإجتماعية وترغب في إبراز سلطتها علي المرأة، في المقابل الاسر ذومکانة قبلية ارفع، تکون اکثر تساهلا وتسامحا مع حريات المرأة وتصرفاتها في اسرهم و ذلک لان الأخيرة لا تکترث کثيرا لرأي الطبقة الاولي وليست بحاجة الي إثبات نفسها إمام الأسر الأدني مکانة في القبيلة.

المرأة والعنف:
للعنف دور کبير جدا، في تکوين مکانة المرأة الاجتماعية وموضوع حرياتها اذ لولاه لما خضعت المرأة لطاعة الرجل ولتمردت علي کثير من الأعراف والقوانين التي تحط من شأنها وهويتها الإنسانية و حررت نفسها من الاستغلال و العبودية.

وتم تعريف العنف في الإعلان العالمي للقضاء علي العنف7 بإنه " أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه،أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة ، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلک التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية ، سواء حدث ذلک في الحياة العامة أو الخاصة". فاستنادا إلي هذا التعريف و کما واضح من الجدول أعلاه، فإن العنف يکون من أبرز الأدوات المستخدمة في تکريس السلطة الأبوية في المجتمع.
ومن ابرز أشکال العنف ضد المرأة الأهوازية هما؛العنف الاسري والعنف القبلي . وبينما يستخدم العنف الأسري أم المنزلي کما يسميه البعض لتکريس سلطة الرجل علي المرأة في البيت، فيتم ممارسة العنف القبلي ضد المرأة لتحسين الرصيد القبلي،الوهمي غالبا. ويجب اضافة هذه النقطة، إن تعنيف المرأة ليس مجرد أداة لإخضاع المرأة ، بل أکثر من هذا فانه الهدف والوسيلة في نفس الوفت، بحيث القدرة علي تعنيف المرأة وضربها ومن ثم التحکم بها بعد التعنيف تدل علي صلابة الرجل وقدرته وفقا للمعائير التقليدية.
فالمرأة تضطهد وتعنف لأنها مستضعفة نفسيا وجسديا. فحتي إذ لا تکون المرأة أضعف جسديا، کما هو الحال في بعض النساء، الريفيات علي الأرجح، إلا إن المرأة نفسيا مقهورة ومهزومة إمام الرجل وقلما تتجرء علي إستخدام قوتها لضرب الرجل وإنما لا تستعملها إلا للدفاع وصد ضربات الرجل. وذلک لأن المغزي من وراء تعنيف المرأة هو اخضاعها وکسر هيبتها وتذکيرها بسلطة الرجل عليها ولهذا عدة اشکاليات تقع اذا قامت المرأة بضرب الرجل في المقابل.
وفي الحقيقة عدة مسائل وقضايا متداخلة ومترابطة مع مسالة العنف وبعلاج هذه المشکلة و إزاحتها، ستحصل المرأة علي کثير من الحقوق والحريات. وذلک لإن الثقافة الذکورية مرفوضة عقليا و فطريا، ولا امرأة ترضي بأن تکون خاضعة و تابعة للرجل،انما بالعکس انها کذلک ترغب بالسيطرة، علي حياتها او ربما حياة الاخرين، لکن إلخوف من التعنيف هو الذي يؤدي الي رضوخ المرأة لهذه العلاقة وإعادة إنتاج الثقافة الأبوية. ولهذا اذا بشتى الطرق والسياسات ومنها تدوين القوانين اللازمة وتنفيذها في هذا المجال يتم سحب هذا السلاح من الرجل، ستتغير جذريا علاقة الرجل بالمرأة وستمارس المرأة حقوقها و حرياتها بشکل أوسع وأفضل.

العنف القبلي:
النوع الثاني من العنف المستخدم ضد المرأة الأهوازية هو العنف القبلي أو العنف الذي الثقافة والحياة القبلية تکون سبب تنفيذه بحق المرأة .العنف القبلي يعمل علي عدة أصعدة ومنها العنف الجسدي، ولعل جرائم الشرف تکون خير شاهد علي العنف القبلي الموجه ضد النساء.

ويجب القول بان فکرة قتل الفتاة أو التهديد بالقتل بدافع غسل العار، مازالت موجودة بقوة في المجتمع الاهوازي وبالأخص في البيئات الفقيرة اقتصاديا وتعليميا. فحسب الأرقام الرسمية المعلنة من المصادر الحکومية، جرائم الشرف تشکل 20-40% من جرائم القتل في الاهواز، مقابل 15% لايران لعام 2012 . وتم الإعلان رسميا عن 15 جريمة قتل باسم جرائم الشرف في مدينة الاهواز لعام 2009 و ما يقارب 60 جريمة في کل الإقليم في احدي الأعوام الاخيرة8و9.
والحال إن استمرارية حدوث جرائم الشرف وبهذه النسبة في المجتمع تدل علي عدم حدوث أي تغييرکبير في رؤية المجتمع حول هذه الجرائم، وهذا الأمر بنفسه يدل علي مشکلة العمل الثقافي في الاهواز، وکذلک الإشکاليات الدستورية في هذا المجال.
وحسب نتائج احدي الدراسات الميدانية10 التي قامت بها الباحثة الأهوازية کفاح غانمي بهذا المجال، فإن فکرة جرائم الشرف مازالت تحظي بالقبول والترحيب في اطياف مختلفة من المجتمع، بحيث أبدي28.7 في المئة، من 300 عينة، رغبتهم الکبيرة لجرائم الشرف بدافع غسل العار.
وأظهرت هذه الدراسة ان 56.3 في المئة من الافراد ذو إنتماء قبلي کبير يبررون بشدة فکرة جرائم الشرف وفي المقابل 58.8 في المئة من الأشخاص ذوتعلق قبلي منخفض يميلون قليلا الي هذه الجرائم. وفي کلتا الطبقتين الرغبة المتوسطة(مقابل الرغبة الشديدة و المنخفضة) لهذه الجرائم تأتي في المرتبة الثانية.
و الرغبة المتوسطة لجرائم الشرف، يعني الشک والترديد حول تبرير هذه الجرائم أم تجريمها، وهذا يعني الفراغ الفکري، الفضاء للعمل الثقافي بحيث هذه الشريحة تحتاج الي تنوير ثقافي ومساندة ودعم لکي تجتاز مرحلة التشکيک. لکن المشکلة هي إنه لايوجد علي أرض الواقع اي مبادرة ام مشروع قوي لسد هذا الفراغ الفکري وهدايته نحو التقدم والعدالة الأجتماعية. لا مؤسسات ثقافية مؤثرة ولا اعلام حر و لاقوانين عادلة في هذا الشأن.
ففي ظل غیاب قانون صارم وواضح حول جرائم الشرف والاشکالیات الدستوریة في هذا الخصوص، لا تنال مرتکبی جرائم الشرف عقابا بحجم جریمتهم. ففی هذه الحالات لا ترفع ای دعوی الی القضاء وبالتالی لا یتم أی بحث او تحقیق حول هذه الجرائم وتبقی الجریمة حدث عائلی فحسب.
فغالبا الهاجس الاصلي للحکومات في بلدان عالم الثالث هو الحفاظ على السلطة و الاستقرار ،وذلک بسبب ظروف الحکم غير الديمقراطي، لهذا لا يوجد لديها اي دافع للإهتمام الحقيقي والجذري بملفات حقوق المرأة التي تأتي ضمن حقوق الانسان وإنما تکتفي ببعض الإهتمامات الشکلية من أجل تحسين صورتها لدى الجهات الحقوقية و الثقافية وکذلک وسائل الاعلام.
والحال يجب الاذعان رغم عجز القوانين الموجودة علي حماية المرأة إلا إن نفس عملية الاستجواب البسيطة التي تجري في هذه الحالات، تؤثر ايجابيا علي اجتناب بعض الافراد من المشارکة في تلک الجرائم. وذلک لأن فئات کبيرة من المجتمع تبحث عن سبب أم دليل وربما عذر لارتکاب أم عدم ارتکاب الجريمة. وفي ظل عدم توافر عنصر الوعي وعدم تفهم وعدم ترحيب البيئة القبلية المتعصبة بمفردات من قاموس حقوق الانسان و المرأة و...الخ، تبقي فکرة السجن و الاستجواب و التحجج بهما اکثرتلائما مع تلک البيئات ( او حجة مقنعة) لتجنب المشارکة في القيام بالجريمة. والحقيقة في کثير من القرى الأهوازية التي شهدت هکذا استجوابات بسيطة انخفضت مشارکة رجال خارج عن الأسرة المرکزية في هذه الجرائم.
وفي نهاية الحديث حول جرائم الشرف يکون من المفيد الإشارة الي الدراسة 11 التي أجرتها مؤخرا (2013) جامعة کمبريج البريطانية بشأن هذه الجرائم في الاردن، فهناک عدة تشابهات ثقافية بين المجتمعين. فحسب نتائج هذه الدراسة التي شملت 856 طالبا تراوحت اعمارهم مابين 14 و 15 عاما، فان 33.4 في المئة من الشبان الصغار کانوا مؤيدين أم مؤيدين بشدة لجرائم الشرف، بحيث يري 46.1 في المئة من الاولاد و 22.1 من البنات، هذه الجرائم مبررة ومقبولة. ومن أهم ما وصلت اليه هذه الدراسة هو إن الدعم لجرائم الشرف لم يرتبط بالدين أم درجة التدين. وإنما العوامل الرئيسية تعود الي الأبوية والرؤي التقليدية المتتشددة حول عفة المرأة وکذلک الاعتقاد العام بأن العنف ضد الاخرين مبرر اخلاقيا. وهذه النقطة الأخيرة ام تبرير العنف يبين جليا الدور الکبير الذي يلعبه هذا السلاح في تکريس الثقافة الأبوية في المجتمع.

الظرف السياسي والرؤي الأمنية:
وأما فی ما یخص الظروف السياسية وتأثيرها علي وضع المرأة الإجتماعي والثقافي، ففي البدء يجب القول ان لحد الآن الحکومات الایرانیة، وکونها صاحبة السلطة،لم تأتي و لمرة واحدة أن تسمح بمشروع ثقافی خاص لمساعدة المرأة الاهوازیة وعلاج مشکلاتها الثقافية والإجتماعية الخاصة.

فکل القوانین والمشاريع الموجودة علی ارض الواقع مبنية علی اساس الثقافة الفارسیة وصورة المرأة الفارسية ولهذا هذه السیاسات والقوانین غيرقادرة علي مساعدة المرأة الاهوازیه کثیرا لان مشاکل واهتمامات المرأة الاهوازیه تختلف جذریا وثقافیا عن نظیرتها الفارسیة.
فنسبة عالية من النساء الأهوازيات وخاصة في الريف لا تعرف اللغة الفارسية وتحس بغرابة و بعد تجاه هذه اللغة والثقافة، اذن کيف يمکن لهذه المرأة العربية ان تتجاوب مع المشاريع الفارسية أو أن تبوح بمشکلاتها العائلية أو أن تسرد قصص قهرها لمن لا تعرف لغتها!
لکن المشکلة هي إن المؤسسات الرسمية تتعامل مع کل القضایا الاجتماعیة والثقافیة والإنسانية من منطلق قومي وسياسي بحت وليست لديها رؤية مستقلة وعادلة عن اوضاع النساء غير الفارسيات وإنما تصر علي صورة فارسية للمرأة الايرانية. وکذلک تسيء الفهم في واقع المرأة غيرالفارسية إذ ترجع کل مشاکل هذه النساء الي البنية العشايرية لتلک الأقوام ومن ثم تري الحل في الارتقاء من العشائرية الي المدنية من خلال الانحراط و الترويج لما تسميها بمشاريع تنمية المرأة الايرانية(الفارسية) ومتجاهلة بذلک الاختلافات الثقافية والقومية في هذا الشأن. فصحيح ان العقلية القبلية والحياة العشائرية تکون وراء کثير من مشکلات المرأة الأهوازية لکن هذا لا يبرر تنازل المرأة عن هويتها العربية وحقوقها القومية في الحياة. فلا تجني المرأة الأهوازية شيئا من خلال القفز من القبيلة الي الثقافة الفارسية.
فان ما تحتاجه المرأة الأهوازية في المرتبة الأولي هو قوانين ومواد دستورية معدلة وصارمة لحمايتها من جرائم العنف المرتکبة ضدها ونبذ ثقافة العنف في المجتمع. فبدون قوانين صارمة وعقاب واضح لتلک الجرائم سيکون من الصعب تجاوز هذه المرحلة.

المرأة والذکورية الدينية:
واما المؤسسة الأبوية الأخري التي بدورها تعمل علي حصر حريات المرأة والإنتقاص من حقوقها الانسانية،هي الذکورية الدينية بمعني تفسير الدين والتعاطي معه من منطلق أبوي. فأصحاب هذه العقلية تتجاهل من الدين ما لا يتناسب مع المصالح الذکورية وفي المقابل تقوم بتشريع و تدوين کل ما يحلو لها من امتيازات بصبغة دينية.

والواقع ان مشکلة المرأة الأهوازية في العصر الراهن ليست مع الدين نفسه وإنما مع القراءات الذکورية للدين. وبهذا إننا لا نعني بان الإسلام قائم علي المساواة التامة بين المرأة والرجل، لکن بالتأکيد لا يمکنه أن يکون مع الهيمنة ألذکورية، لانها مرفوضة عقليا و فطريا وتنافي کل القيم الأنسانية والحضارية. فإذا کانت هناک قراءات عادلة ومنصفة للقرآن والأحاديث، لتمکنت المرأة المسلمة من کسب کثير من حرياتها تحت ظل الدين.
فبدون أدني شک بإمکان مؤيدي حقوق المرأة، إيجاد التفسيرات والتأويلات المناسبة والإستناد إلي النصوص و الآيات المرتبطة بالمساواة، بدل بعض الآيات الغامضة والملتبسة، لدعم حريات المرأة الفردية. وإذا اتخذت الذکورية من الإسلام، سلاحا لتحقيق مصالحها الذکورية وبالتالي ساهمت في تشويه سمعة الدين، فإن بامکان الناشطات الإسلاميات تحسين هذه الصورة المشوهة اذا أتيحت الفرصة و المجال لهن لطرح القراءة غيرالذکورية،او حتي النسوية، من الدين.
ومن حق المرأة المسلمة أن تستند إلي النسخة الانثوية في رجوعها للدين لان في ظل غياب قراءة عادلة وغير أبوية حول حقوق المرأة في الإسلام، ستکون القراءة النسوية أکثر قدرة علي فهم وتحليل الآيات المرتبطة بشأن المرأة المسلمة.
ولقد قدمت بعض الباحثات الاسلاميات مثل ليلي احمد، زيبا ميرحسيني، فاطمة المرنيسي و...ألخ دراسات 12 عدة في هذا المجال وموضوع الفمينية الإسلامية، لکن المشکلة إن البني الأبوية المسيطرة علي الاعلام ومراکز التشريع والتعليم و ...الخ. لا ترحب ولا تدعم هذه الجهود و البحوثات وانما تفعل ما بوسعها للقضاء عليها و تحجيمها. ولقد خسرت المرأة کثيرمن حقوقها الأنسانية وکرامتها بسبب ألذکورية الدينية، وذلک لان التشريع في ايران قائم على الشريعة و القراءة ذات العقلية الابوية من الشريعة . فهنا المشکلة الرئیسية ليست في الدين ام حتي في الدستور و القوانين، فهناک العديد من الآيات و القوانين التي تنص علي مساواة المرأة والرجل لکن بقيت غير مفعلة وذلک بسبب التحيز الذکوري للمؤسسات التفيذية المرتبطة، و انما من العقلية الأبوية المسيطرة علي کل مراکز التشريع.
ولعل خير شاهد علي التحيز الجندري الديني في الأهواز، يتجلي في موقف کثير من رجال الدين من قضايا المرأة والرجل بشکل عام. وعلي سبيل المثال قضية جرائم الشرف من جهة وموضوع زواج المتعة من جهة ثانية. فبينما الذکورية الدينية لا تري نفسها معنية بجرائم المرتکبة بحق النساء مثل جرائم الشرف ولا تستخدم منابرها لنبذ هذه الجرائم، بل تتخلي عن دورها بهذه الحجة بإن المسئلة ترجع الي الأعراف والتقاليد، في المقابل نفس هذه الجهات تتجاهل أعراف المجتمع وقيمه وتتجاهل سبب وقوع جرائم الشرف، وتقيم الجلسات والنقاشات لايجاد حل ديني لاشباع غرائز الرجال الجنسية.
وسرعان ما تم التشريع حول زواج المتعة بغية منحها الشرعية وتکريسها کحق طبيعي و شرعي للرجل دون الأخذ بعين الاعتبار مصير المرأة التي تدخل هذه العلاقة، ونظرة الغير محترمة من قبل المجتمع لها وحرق فرصتها لبناء زواج دائم وتکوين أسرة مقبولة اجتماعيا.فمن سيحمي المرأة إذا عرفت اسرتها بإمر زواجها المؤقت!


المرأة الاهوازية والنشاط الاجتماعي والسياسي:


نشاط المرأة الثقافي والاجتماعي في الأهواز مرتبط بعدة عوامل ومنها الظروف السياسية والأجتماعية في المجتمع و کذلک قدرات المرأة. فإن النظام السياسي يلعب الدور الرئيسي في تضخيم أو تحجيم ادوار المرأة في عملية الحراک الثقافي والاجتماعي. وقد تأثرت وتحولت محتوي نشاط المرأة و دائرة فعاليتها کثيرا بسبب التغييرات السياسية التي طرأت علي المجتمع الاهوازي.
فلم يسجل التاريخ الأهوازي المکتوب أي حراک أم نشاط ثقافي هام للمراة الأهوازية لحد اواخر القرن المنصرم. و ذلک لسببين رئيسين أولهما قلة عدد المتعلمات الأهوازيات وتفشي الامية بين نساء تلک الأجيال والدليل الثاني يعود إلي سياسات التفريس التي أسسها رضا شاه في الاهوأز (بدءا من 1925). إذ تاثرت بعض فئات من المتعلمات الأهوازيات، وليومنا هذا، من تلک الخطاب الشوفيني وأستبعدت نفسيا وفکريا من محيطها العربي الأهوازي وانجرفت من ثم وراء الثقافة والهوية الفارسية ظنا منها إن الثقافة الفارسية ستخلصها من ألذکورية والأبوية وذلک بسبب الأکاذيب التي تم ترويجها أنذاک حول مکانة المرأة في الثقافة الفارسية في حين وضع المرأة في المجتمع الفارسي ليس أفضل حالا" بکثير.
لهذا في تلک الحقبة الزمنية وکل عصور الانسداد السياسي والاحتقان، کان يعاني الشعب باکمله من التفريس والنقص في الشعور القومي ولم يکن هناک نشاط أم حراک عربي نسائي منظم. والمرأة المتعلمة کانت علي الارجح ضائعة في الثقافة الفارسية ولهذا حتي اذا کان هناک نشاط فلقد کان في اطار نشاط المرأة الايرانية، بيد هذا الامر لا ينفي وجود فعاليات نسائية عربية فردية.
ومع تنمية الشعور القومي ونشر الوعي الثقافي في المجتمع وکذلک ارتفاع نسبة المتعلمات العربيات في المجتمع، لقد شهدت الساحة الأهوازية حراک نسائي ملموس وقد ساهمت المراة الاهوازية في فعاليات و نشاطات عدة.
وقد تمحورت المرحلة الاولي من نشاطات المرأة الاهوازية ،أو في عهد خاتمي، حول التوعية القومية والإصلاح الثقافي. وفی البدء لم یکن هناک نشاط نسائي مستقل وإنما فعاليات المرأة کانت تأتي ضمن سياق الحراک الثقافي العام للطبقة المتعلمة في المجتمع وحتي في کثيرالاحيان بدفع وطلب من النخبة الأهوازية، لکن هذا لايعني بان المرأة کانت مجرد تابعة و إنما بالعکس ففي مجال الأدب والشعر والصحافة...الخ کان حضور المرأة قوي جدا.
فاول صحيفة أهوازية أم " أسبوعية الأهواز" تم إصدارها(1998) من قبل امرأة وهي السيدة منيجه جاسم نجاد وکان لهذه الصحيفة دور هام جدا في المجتمع لکونها اولي الجرائد التي کانت تهتهم بالواقع الثقافي الاهوازي وتتطرق الي اهتمامات عرب الأهواز وقضاياهم.
وفي حقل ألأدبي کذلک کان حضور المراة مميز وموثر جدا ولقد لعبت أديبات الأهواز دور حيوي جدا في رفع الوعي القومي والثقافي في المجتمع و ذلک من خلال تطرقهن الي مواضيع هامة مثل الوطن والمرأة والحب...الخ أنذاک.
و شيا فشيء، وبعد کسب التجربة وازدياد الوعي، تشکلت لدي النساء رغبة للعمل النسائي وتاسيس الأحزاب والمؤسسات النسائية. إلا إن هذه الطموحات والنشاطات تزامنت مع انسداد الفضاء السياسي في ايران واصطدمت بالرؤي الأمنية غير المرحبة بنشاط عربي و لهذا لقد ضاقت دائرة العمل للناشطات الأهوازيات و تراجعت لفترة هذه الفعاليات. لکن هذه الوقفة کانت مؤقتة ومن بعدها لقد دخلت المثقفة الاهوازية في مجالات أوسع من أي وقت مضي للنشاط و ذلک بسبب ارتفاع نسبة المتعلمات في المجتمع و کذلک امکانيات التقنية الحديثة. ولقد ساهمت هذه التحولات في بروز ثلاثة اتجاهات فکرية في فعاليات الناشطات الأهوازيات وهي:
اولا) مساهمات المرأة في النشاطات الثقافية و السياسية الأهوازية :
هذا الاتجاه يتجلى في حضور المرأة الفردي في النشاط العربي الأهوازي وکذلک فعاليتها ضمن اطار الجمعيات و الأحزاب الأهوازية . فهنا الأهم يکون مساهمة المرأة في القضية التي ترفعها الاحزاب و حضورها في الساحة، و ليست قضية المرأة بالضرورة.
ثانيا) الفعالية ضمن الحراک الثقافي الايراني و المشاريع الأيرانية العامة :
و في هذا السياق لقد تنشط المرأة الأهوازية على عدة اصعدة و لعل ابرزها المجال الثقافي. فموضوع المرأة الأهوازية لا يکون محور اهتمام هذه الشريحة. وعلى الارجح تصب نشاطات هذه الفئة في مصلحة الثقافة الفارسية بدلا من الثقافة الأهوازية .
و ثالثا) الحراک النسوي الاهوازي :
فهذه الطبقة تنشط من اجل تفعيل قضية المرأة الأهوازية وکذلک تنمية وعي المجتمع بحقوق المرأة و حرياتها. فهنا قضية المرأة الاهوازية تکون هي الاولي ومحور الأهتمام و ليسث ثانوية او قضية مؤجلة.

ومن أبرز نماذج انشطة المرأة الأهوازية في الأعوام الاخيرة يمکن الاشارة الي الفعاليات التالية:
1-انشاء ما لا يقل عن 50 منظة غير الحکومية NGO في الأهواز
2-انشاء المدونات والمواقع الالکترونية والعديد من الصفحات الإلکترونية المختصة بالمرأة الأهوازية
3- انشاء المؤسسات الخيرية واقامة صفوف تعليم مجانية للاطفال و النساء
4- الاعداد والمساهمة في الامسيات الشعرية والادبية والمهرجانات والحضور علي المسرح الاهوازي
5. إقامة العديد من المعارض الفنية لأعمال العربية المرأة الأهوازية
6- الانخراط في النشاط الطلابي والعمل في الصحف الطلابية
وفي مجال النشاط السياسي لقد شارکت المرأة في عدة ميادين ومنها العمل الحزبي، الانتخابات، المظاهرات و ...الخ. ولعل دخول المرأة العربية للمجالس البلدية کان أکبر إنجاز السياسي الذي حققته المرأة الأهوازية علي ارض الواقع لحد هذا اليوم.
فلقد تراست ثلاثة نساء عربيات(من اصل 9 فايزين) قايمة الفائزين في الانتخابات البلدية لعام2003 في مدينة الاهواز . وفي الانتخابات التي جرت موخرا في يونيو 2013 لقد دخلت 18 امرأة عربية المجالس البلدية في مدن الاهواز و ذلک يقارب 6.5 في المئة من کل المقاعد. ورغم ان هذا العدد ليس بالمستوي المطلوب لکن مقبول نسبيا، فنسبة فوز النساء في الاهواز،العربيات و غير العربيات، کانت مجرد 12 في المئة. والملفت ما في الامر هو فوز النساء في المدن الصغيرة في هذه الانتخابات. فهذا الشي يدل علي قدرات المجتمع علي التجاوب مع مشاريع تنمية المرأة ورقيها وتطورها اذا ما يتم سلک الطريق المناسب للتواصل والارتباط معه.

إشکاليات النشاط النسائي في الاهواز:
کما تبين اعلاه فإن المرأة الأهوازية أثبتت جدارتها وحضورها في کثير من الساحات، وهذا الشي يدل علي قدرات المرأة الأهوازية ومؤهلاتها للمشارکة الحقيقية في بناء المجتمع. الا إن رغم تعلم المرأة وتطورها وحضورها في الساحات الثقافية والإجتماعية والسياسية ودورها الکبير في الحياة المجتمعية، لم تتغير کثيرا نظرة المجتمع حول المرأة وقضاياها، وإنما قيم الأرياف والعشيرة ونفس التقييم والعقلية الأبوية بقت تلاحق المرأة و حتي تغلغت الي نشاطات المرأة الفکرية و الثقافية.

بحيث اصبحت المرأة الناشطة تابعة للرجل في کثير من نشاطاتها. وهذه الإشکالية واضحة جدا في محتوي فعاليات کثير من الناشطات الأهوازيات. فلقد ترکت الرؤي الذکورية المؤروثه بصماتها علي عقلية المرأة الناشطة ايضا وصادرت بالتالي قوات المرأة لصالحها. بحيث تؤدي بعض فعاليات المراة الي إعادة انتاج الرؤية الابوية علي شتي أشکالها،الحديثة علي الأرجح، دون أن تعي المرأة بهذا الأمر وذلک لانها تسلک نفس طريق الرجل وخطابه وقاموسه وابطاله في نشاطاتها وأعمالها، وناسية ان هذا الطريق سيؤدي الي تکريس تهميش المرأة ومکانتها الثانوية بدل من أن يکون في صالح قضية المرأة ومطلب مساواتها مع الرجل.
ولعل هناک عدة نقاط ترتبط بموضوع تابعية المراة للرجل في النشاط، اولا، فهذه العلاقة لا تؤدي الي تحرير المرأة من الهيمنية الأبوية. وذلک لان التغيير يأتي بالدرجة الاولي من النخبة وحينما النخبة الرجالية تکون في علاقة أبوية مع النخبة النسائية، في اطار عملها الثقافي والفکري، فيکون من الصعب تحرير المرأة العادية من هيمنة الرجل العادي.
وثانيا وعلي صعيد الفردي، هناک حالتيين في الاولي هناک احتمال ان تحقق المرأة الناشطة، انجازات و انتصارات بارزة علي الساحة اذا ما الرآس المال الرجالي أراد لها النجاح وساعدها ودفعها الي الأمام. وهذا الامر وارد وقد حصل عدة مرات في الأهواز وخارجه، لکن نسبة حصوله تکون متواضعة. ومن جهة ثانية، الطبيعة التبعية لحراک المراة واعتمادها علي الاخرين وتاييدهم يؤدي الي ضعف وعجز الناشطة في مواصلة المشوار اذا خسرت يوما ما هذا الدعم وهذا هو ما يحدث کثيرا في الاهواز. بحيث هناک الکثير من المبدعات والملهمات والشاعرات والکاتبات و الناشطات و...الخ اللواتي تراجعن و يتراجعن عن أي نشاط أم حراک ثقافي وفقدن قواتهن الإبداعية، بعدما يخسرن ويفقدن الحلقة الداعمة والملمهة لهن!
لهذا يجب القول، مهما تعلمت المرأة ودخلت الساحة لکن هذا الحضور غير قادر علي تحسين مکانة المرأة الأهوازية إلا إذا ساهم بنحو ما في طرح قضية المرأة الأهوازية والدفاع عن حقوقها وحرياتها. وبالتاکيد المرأة المتعلمة قبل أي شريحة اخري هي المسئولة عن القيام بهذا الدور،الامر الذي لم ينال ما يستحقه من الإهتمام بعد.
وعدة عوامل تکمن وراء قلة إهتمام المثقفات الاهوازيات بقضية المرأة ولعل أبرزها:
1- المخاوف الأمنية والتحفظ حول أي نشاط أم تجمع عربي و إن کان مسموح به قانونيا
2- الاضمحال في المجتمع الفارسي وعدم الاکتراث لقضايا المجتمع الأهوازي
3-.الإنجراف وراء للخطاب السياسي والثقافي الغالب في الاهواز وبالتالي التقليل من أهمية طرح قضية المرأة في الزمن الحالي
4- التحفظ علي دعم موضوع مساواة المراة وتحريرها خوفا من ردة فعل الفئات المعارضة لتحرير المرأة
5- الابتعاد عن أي نشاط و حراک لشتي الحواجز ومن ضمنها الانشغالات اليومية، المنع الأسري وکذلک الاوضاع الاقتصادية الرديئة
6- ضعف الناشطات النسويات في تفعيل قضية المرأة و إستقطاب النخبة من الأهوازيات
7-عدم القبول بموضوع تحرير المرأة ومساواتها مع الرجل
***
فنخلص الي أن مع التغيرات الاجتماعية والثقافية التي طرأت علي المجتمع، تمکنت المرأة من الخروج من البيت، وانها لم تعد مسلوبة الراي ومحرومة کما هو الحال في العقود الماضية بل انخرطت في کثير من المجالات الثقافية والأجتماعية والسياسية، بيد أن هذا الخروج والتحول ما کان نحو فرص متساوية ام تحقيق الذات والاستقلالية، وإنما انتقلت المرأة من العائلة البطريرکية الي المجتمع البطريرکي. وإذا الأبوية الاسرية تستخدم أدوات معهودة وواضحة مثل العنف و القهر و الحرمان، لاخضاع المرأة تحت سيطرة الرجل فان الأبوية المجتمعية والأبوية في المراحل العالية تضطهد المرأة بشکل غير مباشر، علي الارجح، بحيث تستغل المرأة المتعلمة وطاقاتها وقدراتها من اجل تحقيق منافعها الخاصة دون اعطاء المرأة شيء" في المقابل ام فرصة لاثبات ذاتها. فهذه الابوية تهدي المرأة نحو الأقتناع بالادوار الثانوية وذلک من خلال خداع المرأة حول کثير من المفاهيم و الأدوار ولعل أولها مفهوم الأنثي وکذلک مفهوم المثالية . بحيث تتجنب کثير من النساء، و ذلک بسبب نقص المعرفة و قلة التجارب ، الخوض في عمق الامور والاحتکاک المباشر مع القضايا والأحداث و الحقائق و الافراد، وبدل ذلک ترضي بلأدوار الهامشية و الغير مؤثرة في صنع القرار محاولة منها نحو کسب تأييد المجتمع ورضاه من خلال تحقيق الصورة المثالية للمرأة في هذا المجتمع.
فالزعيمة النسوية والمصلحة "اليزابت کادي ستانتون" تعبر جيدا عن الأدوار االمعطاة للمرأة في ظل الحياة الحديثة و تسمي هذه الادوار الجديدية ب"’’mother of the nation ام "ام الأمة" اذ مسئولية المرأة تکون تربية مواطنين،رجال، لقيادة المجتمع. فهي تعتقد ان مع شرعنة هيمنة الرجل علي الاقتصاد والسلطة والتعليم يتم تحريض المرأة علي الأدوار الهامشية في هذه المؤسسات من خلال المبالغة في اهمية أدوارهن الأموية الحديثة!


مستقبل قضية المرأة في الأهواز

وفي الختام يطرح هذا السئوال الرئيسي نفسه، ماهو السبيل والحل نحو تحرير الأهوازية والنهوض بها في العصر الراهن؟
قبل الإجابة علي هذا السئوال يجب التأکيد بان مسئلة تحرير المرأة ليست مطلب نسائي ام تحرري فحسب وإنما قبل ذلک تکون حاجة حضارية وضرورة مجتمعية ومن شروط وأرکان بناء المجتمع و تنميته. فلا يمکن تحقيق اي مکسب حضاري في المجتمع طالما المرأة تکون غير حرة ومهمشة فيه.
فحين تقوم علاقة الرجل بالمرأة علي اسس الوصاية والطاعة والقيمومة ، ففي الواقع اننا نعيد إنتاج علاقة السيد والعبيد في هذا الزمن. وبهذه الحالة، ستفقد کثير من الامور والقضايا موضوعيتها، لان العقلية الأبوية غير مؤهلة لعملية البناء والتقدم. فإنها لا تنتج سوي التمييز والاستغلال الطبقي.
وفي حالة المرأة الاهوازية الراهنة، فان الأبوية الحديثة تستعين وتستنجد بالدين والقومية والتراث والوطن لتبريرعبودية المرأة وإضطهادها. في حين سلطة الرجل علي المراة وهيمنته علي جسدها وحرياتها الانسانية يعني تجريد المرأة من هويتها الانسانية وتحويلها الي سلعة ومن ثم تملکها وهذا يکون بمثابة استعباد ولا يمکن تزييفه و أنما يجب طرحه علي صورته الحقيقية في المجتمع. فليس بالوسع معالجة قضية إضطهاد المرأة والرقي بوضعيتها ما لم يعي المجتمع حقيقة المشکلة وعمق الخسارة.
و من اجل إحداث تغيير نحو مجتمع حضاري اکثر عدلا وامنا لجميع أفراد المجتمع، من واجب الطبقة المثقة أن تعمل من اجل تفعيل قضية المرأة و دعمها. اذ بدل من النشاطات المبعثرة و غير المنظمة،لابد من ترتيب هذه الفعاليات وتبني مشروع ام خطة ثقافية لاصلاح وضع المرأة قدر المستطاع .
ورغم ان مسئلة بناء المؤسسات المدنية والدورات التعلمية والحراک الواسع...الخ تکون صعبة المنال في الظروف السياسية الراهنة، لکن من الممکن العمل الثقافي ونشر الوعي في المجتمع. فالنخبة الأهوازية، لديها من الأمکانيات والارتباطات والاتصالات ما يمکنَها من التاثير علي المستوي الشعبي وبالتالي تحسين وضع المرأة في الاهواز.
ولعل من أهم الخطوات في سبيل اصلاح وضع المرأة يمکن الإشارة الي المواد التالية:
الف: المساهمة في بلورة قضية تحرير المرأة و إخراجها من الهامش
ب: تنمية وعي المجتمع حول قضايا المرأة و موضوع حرياتها و حقوقها الانسانية من خلال اعتماد اليات فاعلة و معينة
ج: دعم و تعزيز النشاط النسوي و مساعدته علي بناء نفسه و شق طريقه في المجتمع، والدفع بالمثقفة الاهوازية للقيام بمسئولياتها تجاه قضية المرأة
ت:حث التلفزيون المحلي لتناول موضوع حقوق المرأة و والتوقف عن بث الصورة التقليدية للمرأة. في هذه الحالة يمکن الاقتداء بالتلفزيون الايراني وان الاخير کذلک لا ينصف المرأة لکنه افضل بکثير مما تقدمه القناة المحلية
د:الارتباط مع وجهاء القبائل و حثهم علي القيام ببعض الخطوات القبلية لوضع حد لجرائم القبلية ضد المرأة
ه: انعکاس معاناة المرأة ومأساتها في الصحف المحلية والايرانية وذلک للتاثير علي الجهات المسؤلة في هذا الشأن و کسب دعمهم
و: دعم مطالب المرأة التحررية ونشرها في المجتمع من خلال تطبيق حقوق المرأة وحرياتها علي ارض الواقع و الخروج عن الاعراف الظالمة والجائرة بحق المرأة.
ز:تعرية الواقع الإجتماعي والکشف عن اشکاليات الثقافة الأبوية من خلال نقل قصص ضحايا هذه الثقافة ونشرها في الصحف و المواقع الالکترونية
***
فبالتاکيد ستتضاعف قدرات المجتمع وثرواته و طاقاته اذا ما المرأة نهضت ودخلت بقوة و بشکل فاعل في الحياة المجتمعية. فلا يمکننا تحقيق ادني نصر في قضايانا العادلة وفي مسيرتنا نحو بناء وطن حر و ديمقراطي طالما النصف الرائد لم يطلق حرية هذا النصف السجين ولم يشارک المرأة الحرية والکرامة. فالمرأة هي نصف المجتمع نصف الشعب نصف الثروات و العقول و ..الخ وبالطبع، تحرير وتمکين نصف الشعب يکون أهم الامور واولي القضايا ولا هامشها أو اخرها.

المنابع:
1- زن در فرهنگ و هنر(پژوهش زنان) دوره 1- شماره 4-تابستان 1389

2- يوسف عزيزي بني طرف، زن عرب خوزستانی؛ قهرمان و قرباني، موقع عربستان
3- سرشماري عمومی نفوس و مسکن 1385 – مرکز آمار ایران، تهران 1388.
4- وکالة فارس للانباء، 2 يونيو2013
5- Gerda Lerner, The creation of patriarchy
6- Kate Millett, sexual politics, university of Illinois Press,
7- الإعلان العالمي بشأن القضاء علي العنف ضد المرأة، القرار 104/48 للجمعیة العامة للأمم المتحدة 1993،
8- عصر ايران، 26 مايو 2010
9- وکالة ايسنا للأنباء 2 يوليو 2012
10-- کفاح غانمي، بیژن زارع، بررسی عوامل اجتماعی موثر بر گرایش به "قتل به خاطر شرف" در دشت آزادگان،2008
11-http://www.cam.ac.uk/research/news/belief-that-honour-killings-are-justified-still-prevalent-among-jordans-next-generation-study-shows,20 Jun 2013
12-Priscilla Offenhauer, Women in Islamic Societies, library of congress Washington DC, 200m
13- www. commons.wikimedia.org
14- https://www.facebook.com/qeis.book2


<-Text2->

:: بازدید از این مطلب : 427
|
امتیاز مطلب : 0
|
تعداد امتیازدهندگان : 0
|
مجموع امتیاز : 0
تاریخ انتشار : سه شنبه 19 آبان 1394 | نظرات ()